مقال نشر في موقع SAKER الموالي للتيار الوطني الروسي بتاريخ 17 أيلولالجاري وحظي بآلاف المشاهدات ومئات التعليقات
ترجمة: د.مازن المغربي
المركز الوطني للأبحاث واستطلاع الرأي
مثل معظمكم، أمضيت أمس ساعة في متابعة مقابلة بشار الأسد مع وسائل الإعلام الروسية.هكذا بدأ الكاتب مقاله لينتقل بعدها لإيضاح أنه اعتاد على تبني مواقف مناهضة للقوميين العرب من ذوي التوجه العلماني، والبعثيين منهم بشكل خاص، وأنه كان مناهضاً لصدام حسين وللرئيس حافظ الأسد، ولم يكن لديه انطباع جيد حول الرئيس بشار الأسد، لكن المقابلة غيرت موقفه وفق ما جاء في متن المقال.
علي الإقرار بأنني قررت تغيير لهجتي .. وموقفي هذا لا يستند إلى واقع أن الأسد وجيشه يمثلان القوة الوحيدة التي تحمي الشعب السوري من همجية داعش القادمة من القرون الوسطى، ولكن لأن الرجل ولد لدي انطباعاً إيجابياً.
وأول ما أثر بي هو واقع أنه يدلي بكلام مقنع، ولا أقصد بهذا الكلام إهانة أحد، لكن معظم القادة العرب يفتقدون للقدرة على الإقناع، وقد خلف لدي انطباعاً بأنه رجل يؤمن بما يقوم به. وبالطبع، فأنا لست بقارئ أفكار، ولست أستطيع البرهنة على ما أوردته، لكن ذلك هو الانطباع الذي تولد لدي عند الإصغاء إليه.
والأمر الثاني الذي أثر بي هو بدوره إحساس ذاتي بأن الرجل حقق الكثير من التقدم خلال الأعوام الأربعة الفائتة. وصراحة، عندما كنت أتابع خطاباته قبل الحرب، كان يتولد لدي شعور بأنه شاب لعوب على شاكلة العرب الذين نصادفهم في المصايف في سان تروبيز، أو ماربيا، أو في جنيف، ولا يعني هذا بالضرورة أنه شخص سيء، لكنه كان لدي انطباع بأنه سطحي الشخصية.
بل أن مظهره لم يبد لي مثل رجل دولة (حتى بمقارنته مع صدام حسين الذي على الرغم من كل عيوبه امتلك شخصية كارزمية). لكن، وبعد سماعي لما قاله أمس، انتابني إحساس بأن أسد عام 2015 مختلف تماماً عما كان عليه قبل عشر سنوات، وتولد لدي انطباع بأن الحرب قد غيرته بعمق.
ويتعلق انطباعي الثالث بالتغير الذي طرأ على الحلقة المحيطة بالأسد. تذكروا أنه، مع بداية الحرب، شاهدنا العديد من الشخصيات الرسمية، ومن ضمنهم ضباط كبار وسفراء، وقد نما لديهم فجأة وعي ديمقراطي، وفروا قاصدين “محور الخير”. وأظن أنهم كانوا مباعين لوكالات الاستخبارات المركزية الأمريكية، التي سعت لاختراق نظام الأسد نتيجة لاقتناعها بأنه سيتم الإطاحة بالنظام خلال أشهر، لكن الأسد صمد بشكل رائع، واستمر في السباق حتى في أحلك الظروف . وليست لدي معلومات ووقائع، لكنني أظن أن نوعية الرجال المحيطين بالأسد تغيرت إلى حد كبير، وهو محاط الآن بأفراد لديهم نزعة وطنية حقيقية.كما كان لدي في الماضي ظلال من الشك تتعلق بمستوى حكمة الأسد، وقبوله الإصغاء لما يقوله الروس والإيرانيون، أم أنه شخص متمسك برأيه ويرفض الإصغاء إلى أي كان لكن كان من الواضح أنه أصغى إليهم، وإلا لما أقدم الروس على دعمه بالقدر الذي يقومون به.
من المؤكد أن الروس لا يقولون أنه لا يمكن الاستغناء عن الأسد، وأن الأمر يتعلق بقرار الشعب السوري، لكن من المؤكد أيضاً أنهم يتبعون سياسة صائبة من خلال دعمهم للأسد لقناعتهم بأن السوريين يريدونه. وعدا عن هذا، فما يقوله الروس، حول حق الشعب السوري في البت بالأمر، يعني أنه ليس من حق “أصدقاء سورية”، أو أي من مكونات “محور الخير” تقرير مصير النظام وبعبارات أوضح، وبغض النظر عن الخطوات الديبلوماسية المتعلقة بمستقبل سورية، فإن الأسد يحظى بدعم مطلق من الكرملين.
وأخيراً، يبدو لي أن الروس يدفعون الأسد إلى مقدمة المشهد، وهذا ظني الدافع إلى تنظيم اللقاء الإعلامي بهدف الترويج للأسد بوصفه رجلاً يمتلك القدرة على التفاوض، ويصغي إلى الآخرين، وهو فوق كل شيء رجل براغماتي متمسك بمبادئه.
وإليكم تقييماً لما يقوم به الروس الآن :إنهم يتبعون إستراتيجية متعددة المستويات تجمع بين النشاطات العسكرية والديبلوماسية، وبالتعاون مع كل القوى الإقليمية الكبرى، بهدف إقناع أكبر عدد ممكن من القادة بأن الأسد هو الآن، ودون أدنى
شك، جزء من أي حل.
أما فيما يتعلق بالمتصهينين من الأنغلوساكسون، فإن هذا يمثل جريمة، لكن بالنسبة لمن يهتمون بكابوس داعش سيكون من الصعب عليهم، على المستوى السياسي، التمسك بموقفهم المناهض للأسد ورفض الحوار معه.
ولا ننسى أن أي مجهود عسكري ضد داعش لا يمكن أن يكون فعالاً في ظل غياب التنسيق مع السوريين. وما تقوم به الولايات المتحدة وأتباعها، الآن، غير قانوني، بالإضافة إلى افتقاده للفاعلية، وهو يتناقض مع الموقف الروسي الهادف إلى إنشاء تحالفف قانوني بنسبة 100% مناهضة لداعش (سورية بلد سيادي يحق له الاستعانة بمن يشاء)، وفعال (سيتم تنسيق الضربات الجوية والصاروخية مع تحركات القوات السورية في الميدان).
أمس، خلال إصغائي للأسد، شعرت بأنه كان واثقاً بأم ثمة احتمالاً لتراجع الولايات المتحدة عن غيها، وأن معظم قادة العالم سيعودون إلى صوابهم، وسيكتشفون أن التحاور مع الأسد ليس خياراً وحسب، بل أنه يمثه قمة الأولويات بالنسبة لأي شخص يهتم، بصدق، بوضع حد لداعش، قبل أن تتحول إلى مصدر لفظائع لن تقتصر على الشرق الأوسط.
وآمل أنه على صواب.